سينما ودراما

البدويات الفلسطينيات في ” عاصفة رملية”

عالجت أفلام سينمائية بالماضي محنة النساء في مجتمعات ذكورية تقليدية، لكن «عاصفة رملية» فيلم روائي مميز مرشح للفوز بجوائز عالمية.
والفيلم من إخراج الإسرائيلية عيليت زيلتسر يشارك فيه ممثلون فلسطينيون واعدون من أراضي 48. فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان سانداس الأمريكي عن فئة «سينما العالم»، وهو يروي قصة نساء بدويات عالقات في الصراع بين قوة الحداثة وقوة النظام الأبوي وسبق أن رشح للفوز بجائزة الأوسكار، وقد فازت إحدى بطلات الفيلم ربى بلال – عصفور بجائزة أفضل ممثلة دور ثان عن دورها في الفيلم.
يمتاز الفيلم بشحناته الفكرية والعاطفية، التي تساهم بتعزيز رسالته وتدور أحداثه داخل قرية عربية بدوية غير معترف بها في النقب في أراضي 48 وهو يبدأ بظهور بطلته ليلى (لميس عمار) تقود شاحنة وإلى جانبها يجلس والدها سليمان (هيثم عمري). لكن ليلى بموازاة عملها تتعلم في الجامعة وتعتمر غطاء على رأسها لكنها ترتدي سروال «جينز» حديثا.
وتحظى ليلى المرأة المنفتحة على الحياة العصرية بدعم والديها ويحترمان حياتها الخاصة، لكن الصورة تتغير حينما تقترب الشاحنة من القرية وعندئذ يستبدلها والدها بالجلوس خلف المقعد حرصا على عدم خدش تقاليد المجتمع البدوي الذي يعتبر قيادة المرأة للشاحنة غير مألوف. وتتحطم صورة التقدم التي يستهل الفيلم بها بسرعة عندما يتضح أن الأب يستعد للزواج من زوجة ثانية على زوجته الأولى جليلة (ربى بلال عصفور) والدة أبنائه الأربعة. ومن أجل زواجه الثاني بنى الأب بيتا جديدا أكثر فخامة من بيته الأول بكثير. ولم يبق لجليلة مجال سوى أن تقبل بمجيء ضرة شابة تصغرها بعشرين عاما، بل أن زوجها يطلب منها تهيئة البيت الجديد وغرفة النوم فيه. وتضطر لاستقبال الزوجة الجديدة بترحاب وودّ، رغم كل الالم والجراح بعد ان داس زوجها على كرامتها ومشاعرها وأهان انوثتها وهزّ كيانها.
أما حفلة الزفاف فتقتصر على النساء وتبدو العروس بكامل أناقتها وماكياجها ببدلة بيضاء ولاحقا تبدو أكثر جمالا حينما تخلع ملابس الزفاف الرسمية.
وينهار وهم التقدم بوضوح أكبر عندما تكتشف جليلة أن لليلى صديقا يدعى أنور (جلال مصاروة) وتربطهما علاقة حب وينويان الزواج، رغم أن عادات المجتمع التقليدي لا تسمح بأن تختار الفتاة بذاتها شريك حياتها، ولذا تأمر الأم بنتها بوقف اللقاء مع حبيبها وتنقل المعلومات لزوجها الذي يبدأ على الفور بالبحث عن زوج لليلى داخل القرية.
بخلاف أفلام مشابهة يمتنع الفيلم عن التمحور بقصة الحب الممنوع مثلما أنه سيمتنع عن لقطات ميلودرامية أخرى. يشمل الفيلم المطول لقطة جميلة واحدة تظهر فيها ليلى وحبيبها في شرفة بيت في مدينة بئر السبع ويبقى اللقاء الحميمي منضبطا.
الفيلم الذي يعكس واقعا مهتزا من الناحية العقائدية يظهر شخصيات تحركها تناقضات بعيدا عن الوعظ والتربية وعن تفسير سلوكياتها بشكل مباشر. الفيلم يلقي الضوء على بطلتيه جليلة وليلى المسجونتين داخل مجتمع محافظ وتبدو حياتهما حلقات تراجيدية.
الأم والابنة تتصارعان مع الواقع المتغير وفي وقت تنتظر الابنة (ليلى) من ابيها (سليمان) الذي تثق به إلى أقصى الحدود أن يساعدها في مواجهة «الحب الممنوع» تتحطم آمال الأم بعد زواج زوجها من امرأة ثانية. الابنة التي يملؤها الأمل، والأم التي تئن تحت وطأة خيبة الأمل لكل واحدة منهما رأيها وتصورها، وهما على نقيض وهذه الأزمة تستنفد طاقات المرأتين التي تحاول كل منهما الصراع، وهو الأمر الذي يحتم عليهما أن تتوحدا في سبيل البقاء. الفيلم الجديد يبعث بشريط الذاكرة لفيلم تركي «البنات المتوحشات» للمخرج دنيس غاميه أرجوبان لا يؤول لنهاية سارة أو مشجعة وهو لا يتركز على الجوانب الفلكلورية للمجتمع البدوي ولا يستجيب لنزعة التلصص الإنسانية من أجل التعرف على مجتمع مغلق كالمجتمع البدوي. يتجسد البعد المركب من الناحية الفكرية والعاطفية بالانفتاح الذي يميز إطلالة ليلى وصرامة ملامح جليلة في فيلم يوازن بين لقطاته درامية أكثر ودرامية أقل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى