الثلاثي جبران: موسيقى فلسطين وصوت محمود درويش

على أرض فلسطين الغالية نشأ سمير ووسام وعدنان في بيت ثقافة وفن، ذلك أنهم يمثلون الجيل الرابع في عائلة اختصت بصناعة العود والعزف عليه.

وعاشوا بين أب وأم، كانت الموسيقى والغناء وصناعة الأعواد جزءاً أساسياً من حياتهم اليومية، وقد ورث الثلاثي هذه الصناعة وتلك المواهب أيضاً، إذ يقومون بصنع الأعواد الثمينة التي لا مثيل لها.

كان الأشقاء الثلاثة على موعد مع الأسفار والارتحالات، التي بدأها الشقيق الأكبر سمير بالسفر إلى القاهرة من أجل الدراسة، ثم أقاموا جميعاً في فرنسا، ومنها يسافرون لتقديم موسيقاهم على أكبر وأهم مسارح العالم في مختلف البلدان.

وموسيقى الثلاثي جبران هي موسيقى فلسطين النابضة بكل ما هو فلسطيني، روحاً ومعنى وموقفاً، وهي موسيقى عربية خالصة، شرقية الطابع أصيلة التكوين، لكنها موسيقى عالمية أيضاً، تستطيع أن تخاطب الجميع وأن تصل إليهم.

يبدع الثلاثي في تأليف القطع الموسيقية الخاصة بهم، وفي عزفها بإتقان تام ومعرفة عميقة بأسرار وتقنيات العزف على آلة العود، وخلق الحوار النغمي بين الأعواد الثلاثة، سواء تزامنت الأصوات أو تعددت واختلفت.

ولغة الثلاثي هي لغة الموسيقى والأنغام، فمؤلفاتهم في الأصل مؤلفات موسيقية بحتة، لا يصاحبها الغناء، لكنهم التقوا بالكلمة ولغة الشعر على أروع ما يكون، عندما التقوا بالشاعر الفلسطيني محمود درويش، ورافقوا شعره بموسيقاهم لأكثر من اثني عشر عاماً، ولم يتوقف مشوارهم مع محمود درويش إلا بوفاته سنة 2008، بل ربما لم يتوقف، فلا يزال شاعر فلسطين وصاحب كلمتها العالية حاضراً في أعمالهم، إما بتسجيلات صوتية تضمنتها ألبومات صدرت بعد وفاته، كقصيدة «خطبة الهندي الأحمر» في ألبوم المسيرة الطويلة، وهو الألبوم الذي يضم أيضاً مشاركة مع الفنان الإنكليزي روجر ووترز، نجم فريق بينك فلويد، والموسيقي والمغني ومؤلف الأغاني البارع، الذي يعلن عن مواقفه الداعمة لفلسطين، والرافضة لظلم وإجرام الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يرى فيه سوى احتلال ويرفع علم فلسطين في حفلاته، مهما طاله من اتهامات بمعاداة السامية.

ويكون درويش حاضراً أيضاً بعناوين معزوفات مستوحاة من أشعاره، وقد تكون الموسيقى بأكملها جاءت بإلهام من شعر محمود درويش. ولا شك في صعوبة أن يتجاوز الثلاثي تأثير شاعر كدرويش، وتجربة كتجربتهم معه.

وعن اللقاء الأول بين الثلاثي جبران ومحمود درويش، يروي سمير جبران في أحد حواراته التلفزيونية، أن المرة الأولى التي رأى فيها محمود درويش وصافحه، كانت في عزاء الكاتب والأديب الفلسطيني إميل حبيبي، صاحب الأعمال الخالدة من روايات ومسرحيات، كرواية «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» ومسرحية «لكع بن لكع» وغيرهما من الأعمال الأدبية الرائعة.

في الناصرة كان إميل حبيبي جاراً مقرباً من آل جبران، وكان البيت الجبراني مفتوحاً لتلقي العزاء في أديب فلسطين الكبير. أما اللقاء الثاني فكان في فرنسا، وتم على يد السفيرة الفلسطينية ليلى شهيد، التي إليها يعود الفضل في الجمع بين الشعر والموسيقى، رغم أن محمود درويش لم يكن موافقاً أو متحمساً للفكرة في بداية الأمر، كما يروي سمير جبران في حوار مع قناة فرنسا 24، كان هذا اللقاء سنة 1996 حيث كان مقرراً أن يقدم محمود درويش أمسية شعرية هناك، وأن يقدم الثلاثي جبران أمسية موسيقية في المكان نفسه والليلة نفسها، ولم يكن هذا اللقاء سهلاً، إذ يقول سمير: «لما التقيت مع محمود درويش قبل بنصف ساعة من الأمسية وبخني، وقال لي أنا ما بدي حد يرافقني في العود، أصلاً ما بدي وسيط للشعر ليصل للمتلقي، بس ليلى شهيد ورطتني فيك، فأطلب منك أن تعزف تلات دقايق فقط، مش أكتر من تلات دقايق في فواصل شعرية، ولما بقول شعر ممنوع تعزف ولا أي نغمة على آلة العود».

Exit mobile version