المسجد العمري في غزة.. شاهد على الفتح الإسلامي لفلسطين
بين أروقة الساحة الخارجية للمسجد العمري الكبير وسط مدينة غزة، يجلس الشيخ الفلسطيني نادر المصري في حلقة لتعليم قراءة القرآن منذ أول أيام شهر رمضان المبارك.
منذ أكثر من 42 عاما، يواظب المصري (70 عاما)، وهو محاضر شرعي في المسجد العمري، على التردد إليه للصلاة وتقديم الدروس الشرعية متطوعا.
ويعدّ “العمري”، الذي أُسس قبل أكثر من 1400 عام، من أكبر وأعرق مساجد غزة، وثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجدين الأقصى وأحمد باشا الجزار في عكا، ويوازيه بالمساحة جامع المحمودية في يافا.
وفي شهر رمضان، يزداد إقبال المصلين على “المسجد العمري”، الذي يطلق عليه بعض سكان غزة اسم “المسجد الأقصى الصغير”، وذلك لتشابهه مع المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة.
علاقة ثلاثية
للوصول إلى المسجد، يقطع المصري مسافة طويلة من منزله، غربي غزة، ويقول للأناضول إن “المُصلي يشعر في المسجد برهبة كبيرة وحالة من الخشوع التي يندر وجودها في المساجد الأخرى”.
ويرجع السبعيني الفلسطيني ذلك إلى “قدم المكان وطابعه الأثري الذي له دور في جذب المصلين إليه”، مشيرا إلى وجود “علاقة ثلاثية، بينه وبين المسجد العمري ورمضان، لا يوجد فيها انفصال”.
ويتوافد للمكان مصلون يأتون من المناطق الشمالية والجنوبية للقطاع قاطعين مسافات كبيرة من أجل إقامة الصلاة في المسجد والانخراط في الأنشطة الدينية والترفيهية التي تنظّم به خلال رمضان.
وتبلغ مساحة المسجد العمري نحو 4100 متر مربع، أما مساحة فنائه فتصل إلى 1190 مترا مربعا، إذ يحمل المبنى نحو 38 عمودا من الرخام تعكس جمال الفن المعماري للعصور المختلفة.
ونوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلنت جمعية تركية تزويدها المسجد العمري في غزة بالكهرباء، عبر تركيب منظومة ألواح شمسية، لتبدأ بتزويد الجامع بالتيار الكهربائي.
وقالت جمعية “اتحاد الجمعيات التي تولي قيمة للإنسان” (İDDEF) -في بيان- إن “الجامع الذي يعد إرثا عثمانيا قديما، كان يفتقر إلى الإنارة بسبب غياب الكهرباء إثر الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع”.
المراحل التاريخية
يقول المرشد السياحي في “المسجد العمري” طارق هنية إن بعض كبار السن يواظبون على زيارة المكان للصلاة والعبادة منذ عشرات السنوات، ولهم أماكن مخصصة بداخله.
وأضاف هنية -لوكالة لأناضول- أن المسجد، الذي أقيم على أنقاض أحد المعابد الرومانية، “مرّ عبر 6 مراحل تاريخية”، وهو ما استعرضه دليل أثري أصدرته وزارة السياحة والآثار بمدينة غزة.
ففي البداية، بُني معبد يحمل اسم “مارناس” ويعني “إله المشتري”، وبانتقال أهل غزة من الوثنية إلى المسيحية، حولوا المعبد إلى كنيسة بيزنطية عرفت باسم “أفذوكسيا” عام 407 ميلادي، دمّرت في أثناء الغزو الفارسي عام 614 ميلادي.
ومع اعتناق أهالي القطاع الإسلام، بالتزامن مع فتح فلسطين (636 ميلادي) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، بني المسجد العمري على أنقاض الكنيسة، وأطلق عليه اسم “العمري”، نسبة إلى أمير المؤمنين، بحسب هنية.
وتابع: “خلال الحروب الصليبية التي طالت بلاد الشام، دُمر المسجد وحُوّل إلى كنيسة، أطلق عليها اسم (القديس يوحنا المعمدان) عام 1149 ميلادي، وما زال مبناها قائما حتى الآن، ويستخدم مُصلّى داخل المسجد”، وفق هنية.
وفي العهد المملوكي، عاد المبنى إلى أصله كمسجد، وفق هنية، كما “أضاف السلطان الظاهر بيبرس مكتبة ضمت أكثر من ألفي مجلد، ووضع لوحة رخامية منحوتة في المبنى الخارجي للجامع، وتحمل ضمن كلماتها اسم بيبرس”.
وهو يشير إلى اللوحة التي أخذت شكلا طوليا، قال هنية إنها “الأثر الوحيد الذي تبقى من المكتبة المملوكية، رغم التوسعة في عهد السلطان ناصر الدين محمد بن قلاوون، بافتتاح باب التينة (الباب الرئيسي)، وتوسعة الجهة الجنوبية”.