كلمة الموقع

النفاق الأممي والتضامن مع الشعب الفلسطيني..

د. محمد البحيصي رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية

د. محمد البحيصي
رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية

في العام 1977 دعت الجمعية العامة للمنظمة الدولية للاحتفال في 29/نوفمبر من كل عام باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني تزامناً مع اليوم الذي اعتمدته الجمعية لتقسيم فلسطين من خلال القرار /181/.. وبهذا تكون المنظمة التي اغتالت فلسطين هي ذاتها التي تدعو للتضامن مع الشعب الفلسطيني، فصار القاتل هو الذي ينعي المقتول..
منظمة الأمم المتحدة التي خلفت منظمة عصبة الأمم مستكملة الخطوة الأولى في ضياع فلسطين وتشريد أهلها منذ قررت الأخيرة قانون الانتداب الذي استهدف ترتيب وتهيئة الظروف الموضوعية لمنح العصابات الصهيونية (المشروعية الأممية) لاغتصاب فلسطين، وذلك عبر قرار التقسيم الذي أُنشئ بموجبه الكيان بينما شُطب الشق الثاني من القرار الذي يمنح الفلسطينيين دولة على جزء من أرضهم التاريخية…
وأجزم بأنّ دعوة التضامن التي اطلقتها الجمعية العامة، لم تكن صحوة ضمير، ولا كفّارة، ولا شعوراً بعقدة الذنب دفع هذه المنظمة لمثل هذه الدعوة، وإنّما كان من جنس التلاعب والتدليس والنفاق الذي اشتهرت به هذه المنظمة وهي تتعاطى مع حقوق الشعوب المضطهدة، ومن بينها الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ قرن من الزمان من قرارات هذه المنظمات الدولية التي جاءت شكلاً ومضموناً منسجمة مع مصالح قوى الاستكبار، ومراكز القوى وتوازناتها بعد حربين كونيتين خاضتها هذه المراكز في صراعاتها للهيمنة وترسيم العالم وفق مصالحها ولو سحقت في طريقها شعوباً وأمماً..
هذه الدعوة تتضمن تناقضاً صارخاً في مواقف المنظمة الدولية، فهي حين تتحدّث عن التضامن فإنّها تعني به التعريف المغلوط بالقضية الفلسطينية، وعقد الندوات والمعارض التي تشرح وتبيّن هذا التعريف الذي تأسس على مغالطة تاريخية وعلى مظلومية غير مسبوقة تعرّض لها الشعب الفلسطيني ولا يزال..
إنّ التضامن مع الشعب الفلسطيني في حدّه الأدنى يجب أن يتضمن الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في أرضه وفي تقرير مصيره، وذلك بتصحيح الخطيئة التاريخية التي اُرتكبت بحقّه حين جُلب إلى أرضه شذّاذ الآفاق الصهاينة من كل حدب ليقيموا عليها بقرار دولي كياناً إرهابياً غير شرعي..
وإذا كانت الجمعية العامة متضامنة حقّاً مع الشعب الفلسطيني فلماذا لا تدعو لتطبيق الشق الثاني من قرارها الجائر القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، وهذا بجوهره يمثّل الحد الأدنى للتكفير عن جريمتها، وليس بدموع التماسيح التي تعتبرها تضامناً مع الضحية.
إنّ للتضامن مع الشعب الفلسطيني طريقه واضحة ولا تحتاج إلى كثير من قرارات أو دعوات، إنّها طريق انتزاع الحقوق بالقوة، حيث لا توهب ولا تمنح كما علّمتنا دروس التاريخ..
جميل أن تدعو الأمم المتحدة للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولكن الأجمل هو أن تستشير هذه المنظمة الشعب بالشكل الذي يعبّر به عن التضامن معه، لا أن تفوّض نفسها نيابة عنه في تحديد طبيعة التضامن وأشكاله ممّا لا يُسمن ولا يُغني من جوع، ولا يحق حقّاً ولا يدفع باطلاً، ويظل أُلهياتٍ وألاعيب علّها تحفظ للمنظمة الدولية بعض ماء وجهها ويحفظ عليها صورتها الأخلاقية الذميمة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى