“تبغ وزيتون: حكايات وصور من زمن مقاوم” لمعين الطاهر والانتصار للوعي

الكاتب: تحسين يقين

في ظل ما يثيره الكتاب من مشاعر وأفكار، وتأمل في مجمل التاريخ الفلسطيني، وليس فقط الوجود الفلسطيني في لبنان بشكل خاص، حيث ظهرت الكتيبة الطلابية ونمت نموا لافتا، فإننا كقراء مهما تكن جنسياتنا، أمام نص أدبي مشوق، التقى فيه الذاتي الشخصي والاجتماعي، بالوطني؛ حيث سيصعب بعد بضع صفحات عزل سيرة الفرد هنا، عن سيرة الجماعة، وسيرة شعب في أوقات ما زالت تحمل جدلا في النظرة إليها.

لقد استمتعت بالقراءة، لنص تجلى في 338 صفحة، وصفحات مصورة أخرى في آخر الكتاب، كانت بمثابة كتاب بصري لمشهديات ورد ذكرها في الكتاب، خاصة ما كتب بالحبر فيما يتعلق بالعمل الفدائي، وهو إنما كتب بالدم.

من العنوان، تبغ وزيتون: حكايات وصور من زمن مقاوم”، كنا فعلا مع حكايات وصور من ذلك الزمن، حيث انتظمت تلك الحكايات في نص سردي يملك مصداقية عالية، من خلال لغة عادية قريبة من القراء، تخللها لغة متأثرة بالحزن والوجع، ولغة تسمو بالنضال والشهداء بعيدا عن الرثاء، ولغة عسكرية لكن غير معقدة. وفي المجمل كنا مع حكاية شباب ثوريين فلسطينيين وعرب، وآخرين جمعتهم فلسطين، بالإضافة إلى دوافع أخرى لها خصوصية، لكن لا تندرج تحت الخلاص الفردي.

لعلنا نعرفهما معا هذين المنتوجين، فنقول: التبغ والزيتون، أي لبنان وفلسطين، بشكل خاص، لكن لا حصري، حيث تتجاوز رمزية التبغ والزيتون، ربما إلى حياة المقاتلين الذين كانوا يهتمون بالتبغ من جهة، وكذلك رمزية الزيتون، كطعام بسيط.

في الكتاب الذي صدر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، ضمن سلسلة “ذاكرة فلسطين”، حضر جيش من الأسماء، مرتبطة بكم مكثف من المعلومات الدقيقة والمفصلة، كان يصعب بالنسبة للكاتب المرور عنها بسرعة، وهو الشاهد الناجي بصعوبة، الذي اختار أن يكون وفيا لسرد القصة، في ظل الوفاء لكل تلك الأسماء، التي قضت أو ما زالت، والتي بالرغم من دوره القيادي في أحداثها، وجد نفسه فيها مقاتلا ليس أكثر.

تفاصيل المكان اللبناني والفلسطيني والأردني والسوري، حين يلتزم الأمر. لقد وجدنا أنفسنا نتجول في جنوب لبنان من قرية إلى أخرى. وزمن تفصيلي، بحيث صارت العشرة السنوات أو أكثر سنوات كثيرة.

ووجدنا أنفسنا نموضع أنفسنا مع كل زمن بما فيه من مقاومة حين كنا نسمع الأخبار، كم كان السماع سهلا لأعمال صعبة فعلا. كذلك فإننا وقد عرفنا بعض الأسماء، فإننا الآن نعيد قراءتها من جديد، على وقع التحولات والمواقف بربطها بما كان.

تجربة “الكتيبة الطلابية” (كتيبة الجرمق)، التي سمعنا عنها، والتي قرأنا بعض الأدبيات عنها، أصبحت الآن بين دفتي كتاب، بحيث تقود الرواية الى اكتمال، فكل وما يكتبه، خاصة الكتابة من داخل التجربة الثورية التي امتدت على عقد من السنوات، ما زال يضفي حتى الآن وغدا تأثيراته ليس على مجمل القضية الفلسطينية بل على مستقبلها أيضا.

من ذلك هو السؤال الوطني الوجودي: ما الذي يدفع بطلبة جامعيين يتلقون التعليم العالي في أهم الجامعات، الى الالتحاق بالعمل النضالي، في ظل الخيار الآمن بما ينتظرهم من حياة طبيعية هادئة، عمل ودخل وأسرة ووجود بين الأهل؟ ألم يكن هو نفسه السؤال حول دوافع شباب الانتفاضتين الأولى والثانية، وما سبق من انتفاضات وما نعيش أيضا؟ أفلا يؤشّر ذلك للقاصي والداني على نبل القضية وعدالتها؟ وأخير أليس الخلاص الفردي الحقيقي هو الخلاص الوطني العام؟

لعل هناك صعوبة ما حول تناول الكتاب تناولا يحيط به، لذلك فإننا يمكن أن نركز على أثر الوعي لدى الطلبة المقاتلين على العمل الوطني. من ذلك صراحة هو فهم الطلبة لدورهم الثوري الواعي على التناقض فقط مع الاحتلال، وعدم الانجرار وراء أمور تشغلنا عن المقاومة، وكذلك الوعي على أهمية استحقاقات احتضان الشعب اللبناني للثورة، حيث قرأنا صفحات مشرقة عن نسج علاقة رائعة مع شعب الجنوب اللبناني، الى درجة تقديم الخدمات الطبية وغيرها، كذلك لم نلحظ أي عنصرية طائفية، ولعل ذلك يفسّر محدودية الحديث عن الحرب الأهلية، بمعنى إننا إزاء نقاء ثوري.

من أثر الوعي الطلابي أيضا، وهو في السياق نفسه، الانتباه لسياسة الاحتلال في “فرّق تسد”، حيث أنه في يوم من الأيام، ومن باب استغلال الخلافات المذهبية والعائلية، أغرى الاحتلال بعض القرويين من خلال تسليحهم، فكانت لها كتيبة الوعي بالمرصاد، فارتد السلاح تجاه الاحتلال.

استغل الطلبة ظروف ما بعد اجتياح عام 1978، ووجود قوات الطوارئ الدولية، حيث تم تجنيد بعض أفراد قوات الطوارئ لنقل السلاح ليس الى جنوب لبنان، بل الى فلسطين المحتلة، بالاستفادة من تمكن الطلبة للغات.

Exit mobile version