جريمة لا تُغتفر
عمر جمعة
ليست جديدةً مظاهرُ الاعتداء على مقدساتنا وجرائمُ انتهاك والاستخفاف والاستهانة بمعتقدات الأمة، فما أقدم عليه البعض مؤخراً من إحراق نسخ من المصحف الشريف في بعض البلدان الأوروبية ليس إلا استكمالاً لجرائم مستمرة تشجّعها وتغذيها وتدعهما الدوائر الصهيونية العالمية التي تدير هذه الحرب المسعورة ضد مقدسات الأمة وتاريخها الحضاري.
ولئن كانت ثقافتنا وديننا الحنيف يدعوان إلى المحبة والخير والتسامح، فإن مثل هذه الجريمة النكراء لا يمكن معها إلا التشديد على أنها جريمة لا تُغتفر، ينبغي ألا تمرّر ويعمّ الصمت إزاءها، لأنه لا تسامح مع من يهين مقدساتنا وتصل به وقاحته إلى إحراق القرآن الكريم، وإهانة مشاعر ملايين المسلمين في العالم.
إن الدوائر الصهيونية التي استمرأت هذا الفعل الجبان والعدوان الشنيع الآثم ماضيةٌ في انتهاكاتها، في ظلّ الصمت المطبق للأمة، ونحن ندرك ويملؤنا اليقين والإيمان بالقول الإلهي (إنّا نحنُ نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون)، إلا أن هذا الصمت يجب ألا يستمر، وأن مسيرات الاستنكار التي تابعناها في إيران والعراق واليمن والجزائر، وبيانات الشجب والإدانة في بعض البلدان العربية والإسلامية، لا تكفي لمواجهة هذه الأفعال التي تذكّرنا بالجرائم الصهيونية في هذا المضمار، ففي 21 آب عام 1969 أقدم المجرم الصهيوني دينيس مايكل على إشعال النار في الجناح الشرقي للمسجد الأقصى، حيث أتت النيران على كامل محتويات الجناح بما في ذلك منبره التاريخي المعروف باسم منبر صلاح الدين، وفي 24 آذار عام 1971 قامت السلطات الصهيونية بمحاولة إحراق كنيسة القيامة بعد تحطيم أيقوناتها وقناديلها الأثرية، كما فعلت بغيرها من الكنائس من هدم وسرقة وتخريب لمقتنياتها، بل أطلق جنودها النار على المصلين في كنيسة الجثمانية بالقدس، فقتلوا بعض العُزل الآمنين واغتالوا عدداً من المطارنة والرهبان، في جريمة تكرّرت مع الإرهابي باروخ غولدشتاين الذي ارتكب عام 1994 بالتواطؤ مع عدد من اليهود مذبحة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية، فقتل 29 مصلياً وجرح 150 آخرين أثناء أدائهم صلاة الفجر في أحد أيام شهر رمضان المبارك، قبل أن ينقضّ عليه مصلون آخرون ويقتلوه.
وعلى هذا يمكن القول إن الدفاع عن القرآن الكريم واجب مقدس، وأنه لا بد من الردّ القويّ المناسب، وتعظيم المواقف الرادعة لمواجهة مرتكبي هذه الأفعال والدوائر والقوى التي تشجعهم وتدعمهم، وفي الوقت ذاته تروّج للتحلّل من الأديان والقيم والمبادئ والأخلاق والعادات والتقاليد السامية، وتجدّد كل يوم عداءها للشرائع والأديان السماوية، لأنها تعلم استحالة تنفيذ مآربها إلا بغياب التوجيه والإرشاد الإلهي عبر الكتب السماوية وخاصة القرآن الكريم.