اختزل موقف السيدة هدى جرار والدة الشهيد إبراهيم النابلسي صورة الأم الفلسطينية في أنصع وأبهى تجلياتها، في الساعات التي أعقبت حصاره ومن ثم استشهاده مع رفيقيه إسلام صبوح وإبراهيم طه في نابلس القديمة، والكشف عن وصيته، فقد أبت إلا أن تشيّعه بنفسها وتحمل جثمانه إلى جانب حشود المشيعين، حيث قالت جرار إنها كانت تتوقع استشهاد إبراهيم وتلقّت اتصالاً منه قبل ربع ساعة من استشهاده، مضيفةً أنّ الاتصال معه “كان عاطفياً وأوصاني خلاله بألا أحزن عند تلقي نبأ استشهاده وأنا نفّذت الوصية”. مضيفة: “هدف الإسرائيلي إذلالنا وإخافتنا، لكننا خنساوات فلسطين ننجب أبناءنا فداء للأقصى وصبرنا سيزيل الاحتلال”، مؤكدة أنّ “من يحب الشهيد إبراهيم سينفذ وصيته بعدم ترك البندقية”.
إن استذكار صورة وتاريخ المرأة الفلسطينية اليوم مع شهر آذار والاحتفال بعيد الأم ويوم المرأة العالمي، وبعد أكثر من سبعة عقود على مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة، يدعونا إلى الوقوف ملياً بكلّ إجلال واحترام عند حكايات مئات الآلاف من المناضلات والمجاهدات الفلسطينيات اللواتي قدمن أمثولات في الصبر والتضحية والفداء وتقديم فلذات أكبادهن لحماية الأرض والحفاظ على مكانة الشخصية والهوية الوطنية، فعلى الدوام كانت المرأة الفلسطينية، أماً وزوجة وابنة، جنباً إلى جنب مع الفدائيين في مواقعهم، بل ومشاركتهم معركة الدفاع عن الوطن، إذ لا يمكن أن ننسى خديجة قاسم شواهنة شهيدة يوم الأرض، وقبلها شهيدات النكبة حلوة زيدان وآمنة العقلة وبدور عوض الله وصبحية المشهراوي، وفي العمليات الاستشهادية سنتذكر دلال المغربي وآيات الأخرس ودارين أبو عيشة ووفاء إدريس، وشهيدات الانتفاضة: سحر الجرمي وسهيلة الكعبي وزاهدة شحادة ونجوى المصري وحليمة الأعرج وسارة عبد العظيم حسن وخضرة أبو سلامة والمسعفة رزان النجار.. وغيرهن، كما لا ننسى المناضلة ليلى خالد، والأسيرات اللواتي أنجبن أطفالهن خلف قضبان السجان أمثال: زكية شموط، وماجدة السلايمة، وأميمة الآغا، وميرفت يوسف طه، ومنال غانم، وعائشة الكرد، وسمر إبراهيم صبيح، وفاطمة الزق، وسميحة حمدان.. وغيرهن.
لقد أثبتت المرأة الفلسطينية، وعلى غرار موقف والدة الشهيد إبراهيم النابلسي، أنها كانت وما زالت وستبقى أيقونة المقاومة وقدوتها الأولى، سيدة يتواشج في روحها حنان الأم مع صلابة الصخر في مواجهة المحن، وصدق الشاعر الراحل محمود درويش حين سمّاها “سيدة الأرض” والوجه الأجمل للوطن الأم فلسطين في قوله:
عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ: عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ
الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى
فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ.