صامتٌ لو تكلّمَ.. قصّة الفدائيّ الأوّل
رصاصةُ فدائيّ دفعت بصهيونيّ لترك منصبه وثأرت للفلسطينيّين الذين ظلمهم بقوانينه، وما سوى رصاص الفدائيّ يفعل ذلك؟ في حضرةِ فعل الفدائيّ الفلسطينيّ محمد أبو طبيخ، كتب إبراهيم طوقان “صامتٌ لو تكلّم”.. فماذا تعرفون عن قصته؟
لا تسل عن سلامته.. روحه فوق راحته
بدّلته همومه .. كفناً من وسادته
كتب الشاعر إبراهيم طوقان القصيدة تخليداً لفعل الفدائيّ محمد عبد الغني أبو طبيخ، الذي حمل “روحه فوق راحته” بينما كان يبلغ من العمر حوالي 15 عاماً، وقام بمحاولة اغتيال رئيس النيابات العامة البريطاني، الصهيوني “نورمان بنتويش”، رداً على قوانين تعسّفية أصدرها بحق الفلسطينيين خلال ثورة البراق.
يرقب الساعة التي
بعدها هول ساعته
شاغلٌ فكرَ من يراه
بإطراق هامته
في الساعة الواحدة و35 دقيقة من ظهر 24 نوفمبر 1929، ترصّد الفدائيّ ابن بلدة قباطية في جنين لـ”بنتويش” وهو خارجٌ من مكتبه في القدس، وأطلق عليه ثلاث رصاصات وأصابه في فخذه، مُنفّذاً أوّل محاولة اغتيال سياسيّة موثقة في فلسطين.
بين جنبيه خافقٌ.. يتلظّى بغايته
من رأى فحمة الدجى.. أُضرمت من شرارته
حمّلته جهنّم.. طرفاً من رسالته
فادّعى جوف نارها .. أنّها من جمالته
“رَبع القامة، معتدل الجسم، ذو وجه أسود، يحسن القراءة بالعربية، وقليلاً من الإنجليزية”.. (في وصف الفدائي الأوّل أبو طبيخ/ صحيفة مرآة الشرق 1930)
هو بالباب واقف
والردى منه خائف
فاهدئي يا عواصف
خجلاً من جراءته
كانت جراءةُ الفدائيّ أبو طبيخ سبباً في خلع “بنتشويش” عن منصبه، بينما قُبض على الفدائيّ وحكمت عليه المحكمة 15 عاماً مع الأشغال.
صامتٌ لو تكلما.. لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته… خلق الحزم أبكما
وأخو الحزم لم تزل.. يدهُ تسبقُ الفما
” هذا أول حادث من نوعه في فلسطين. هذا هو أول فدائي يقدم على إطلاق النار على الرجل الذي يعمل ليل نهار على تهويد وطنه. إذا كانت الإضرابات والاحتجاجات والمؤتمرات والاجتماعات والمظاهرات لا تزحزح ذلك الصهيوني عن مركزه الخطير فما الذي زحزحه غير رصاصة كرصاصة محمد عبد الغني أبي طبيخ؟” أكرم زعيتر في مذكراته “بواكير النضال 1909- 1935”.
لا تلوموه قد رأى
منهج الحق مظلما
وبلاداً أحبها
ركنها قد تهدما
نُشرت قصيدة “الفدائي” أوّل مرة في صحيفة “مرآة الشرق” في أبريل 1930 تحت اسم “شاعرٍ فلسطينيّ كبير”، ثمّ نُشرت باسم إبراهيم طوقان في يونيو 1930 في صحيفة “النفير”.
وعدواً ببغيه.. ضجّت الأرض والسما
يا فلسطين شدّ ما .. حمل الضّيم شدّ ما
“لمَّا رأيت أن الحكومة قد ضربت باحتجاجات العرب عرض الحائط أقدمتُ على هذا العمل بدافع وطني..… إنني أعتقد بأن بنتويش هو عدو لأمتي وديني، وأنني حين رأيته كنت مالكاً شعوري، فأطلقت النار من مسدسي عليه” (تصريح أبو طبيخ أمام المحكمة).
مرّ حين فكاد يقتله .. اليأس إنما ..
هو بالباب واقفُ.. والردى منه خائفُ..
فاهدئي يا عواصفُ .. خجلاً من جراءته ..
إكباراً لكل فدائيّ مُقاوم وتواضعاً أمام فِعلهم .. هذه القصيدة وكلّ ما كُتب وما لا تُحيطه الكلمات..