شعرعناوين ريسية

عام كامل على رحيل الشاعر الغاضب مظفر النواب

في 20 مايو/ أيار 2023 تكون سنة قد مرّت على رحيل الشاعر العراقي مظفر النواب، الذي حظي طوال حياته بالإعجاب والتقدير، وحتى بالتبجيل، وودّعه في رحيله كثيرون بالرثاء ومقالات التقريظ التي استحقها بالفعل.


وكان مظفر النواب قد جاء إلى بيروت في أوائل سبعينيات القرن المنصرم، أي في حقبة مزهرة بالتجديد الشعري، خصوصًا الشعر الثوري، ومزدحمة بالثقافة والفكر والفنون. وكان محمود درويش يستولي على مشاعرنا الوطنية، ويغمرها بقصائده الجياشة، وكان أدونيس يقلبُ ذائقتنا ويشقلب شكل القصيدة، ويفتح لها آفاقًا سحرية مدهشة، بينما كان نزار قباني، وخليل حاوي، يمضيان، بكل تألق، في نسج أشعارهما وتطريزها بالجمال والثورة والرؤى القيامية.

وقدّمت بيروت آنذاك لمظفر النواب، ولغيره أيضًا، الحرية في قول ما يريد أن يقول، فيما منحته منظمة التحرير الفلسطينية، مع غيره من المبدعين العرب، أمثال أمل دنقل (صاحب قصيدة “لا تصالح”)، وزين العابدين فؤاد، وحلمي سالم، وجيلي عبد الرحمن، وعدلي فخري، وسعدي يوسف، وحيدر حيدر، الأمان والرعاية.

النواب شاعر جريء وصاخب وغاضب، غير أنه، على مستوى الجماليات والتجديد، قليل الإبداع، وقصائده ذات اللغة المزخرفة والمكهربة افتقرت دائمًا إلى الثراء الوجودي”

كان مظفر النواب هجّاء خطيرًا، من عيار الحطيئة، وتأبط شرًا، وأبو الشمقمق. وشعره، في معظمه، تحريض وغضب، كأنه يلتقم مفرداته من قاموس الشتائم العراقية. وتلك اللغة الغاضبة عبّرت بالفعل عن مرحلة صعود اليسار الثوري، والتي ما حفلت البتة بالجماليات وعطر الكلام إلا في مواضع قليلة.

وفي هذا الميدان، استعمل مظفر ألفاظًا ما كنا معتادين سماعها مثل “أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟”، و”القدس عروس عروبتكم… فكيف أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها”؟  و”إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم”، و”الملك السفلس”، و”تعريص الطرق السلمية”… ومثلها كثير. وحتى في هذا الميدان لم يكن مظفر النواب هو المجلّي، فقد سبقه نزار قباني، خصوصًا بعد هزيمة 1967، لكن بلغة متأنقة، ومحمد الماغوط الذي كان يختار كلماته بعناية. ومظفر النواب في هذا الميدان كان يشبه، إلى حد كبير، نجيب سرور، كما عبّر عن نفسه في ديوانه الممنوع ” كـ….أميات”.

يُغنّي شعره ولا يُغنّى
اشتُهرت من بين قصائد مظفر النواب الكثيرة قصيدة “وتريات ليلية”. لكن معظم النقاد يشيرون إلى أن ديوانه “للريل وحمد” يتضمن أفضل ما كتب. والريل هو القطار، أما حمد فهو حبيب امرأة غير محددة التقاها مظفر. غير أن أثر “الريل وحمد” ظل محدودًا جدًا، ومحصورًا في نطاقه العراقي، لأن من الصعب أن يفهمه من لا يعرف العامية العراقية. وربما أمكن فهم كلماته وعباراته حين يغني مظفر قصائد من هذا الديوان، ثم يتمايل على المسرح وينشج ويترنح؛ فالحركة تشير وتشرح. والغريب أن الأغنية الوطنية، أو السياسية، التي انتعشت بعد هزيمة 1967 لم يكن لمظفر النواب أي حضور جدي فيها إلا ما ندر. وامتزاج القصائد الوطنية، أو الثورية، أو الهجائية، بالغناء غمر العالم العربي بأكمله على أيدي صلاح جاهين، وفؤاد حداد، وأمل دنقل، وسيد حجاب، وسمير عبد الباقي، وعبد الرحمن الأبنودي، وفؤاد قاعود، وغيرهم، وظهر في هذا الحقل الثنائي أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، ومحمود درويش ومارسيل خليفة، وزين العابدين فؤاد وعدلي فخري. لكن، من المحال إدراج مظفر النواب وشعره في هذا السياق قط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى