عناوين ريسيةقصة

كابوس غزة

قصة بقلم: أنس أبو سمحان

الساعة تتجاوز الثامنة بقليل، وأنا أقف في ظلّ شجرة سروٍ متّكئة على بناية متهالكة تبدو كأنها مبنيّة منذ العصر الفيكتوري. كانت الأمطار تنزل بغزارة، وصوت الغربان على الشجرة يزيد من هزيز الرياح رُعباً. أخرجت سيجارة ولثمتُها فمي ثم أشعلتها وبدأت أسحب النيكوتين إلى جهازي التنفّسي، بدأ يعود لعقلي صوابه.

يتسع المكان تدريجياً، أو لربما هذه كانت إحدى نتائج مضادات الاكتئاب التي أتناولها. مؤخّراً، صار من الصعب عليّ إكمال يومي دون تناول مضادات الاكتئاب، وصفها لي الطبيب قبل خروجي من غزة وأخذتُ أكبر قدرٍ منها معي. لا أدري لماذا، لكني فعلتها. بدأتُ الذهاب إلى طبيب نفسي بانتظام بعد انتحار أحد أصدقائي، لأني أُصبتُ بعدها بنوبات اكتئاب طويلة كانت تُجلسني في البيت وتجعلني لا أطيق رؤية أيّ بشري. ليس الانتحار هو السبب، بل كانت المدينة. أتململ في مكاني منتظراً زوجتي التي عرفتها عن طريق الإنترنت لكي تنزل من فندقها ونتوجّه سوياً لرؤية صديقٍ كان يعلّق عندي على الفيسبوك بتعليقات لم تكن تعجبها.

لم تخرج المدينة مني ولم أخرج منها ما زلتُ في الجحيم، كان حُلماً!.

زوجتي عجيبة، لم أكن أظنّ يوماً أننا سنلتقي أو سنحبّ بعضنا، فأنا وهي لا توجد بيننا نقاطٌ مشتركة كبيرة. هي لا تحب الأفلام، وتدعي دائماً على الكتب لأنها تظن أنها سبب اكتئابي وحالتي النفسية، ولكن السبب الوحيد الذي كنت أظن أنه هو المشكلة، كان هو نفسه سبب تلاقينا واستمرار علاقتنا. تأتي حبيبتي ونخرج، ثم نلحق بسيارة أجرة كانت على وشك الانطلاق. نلتقي بالصديق ثم نعود أدراجنا إلى الفندق بجوار شجرة السرو.

لا تتوقّف الغربان عن النعيق، صار صوتها يربكني أكثر ويمنعني من النوم. بقيتُ مستيقظاً طوال تلك الليلة! شربتُ كوباً من الشاي وتناولتُ سيجارة أُخرى، خرجتُ من الغرفة كي لا أختنق من الرائحة، وتوجّهتُ إلى الشرفة المواجهة للشارع. ما بال الأبنية والسيارات هنا؟ لماذا كلّ شيء بدأ بالاختفاء؟ لماذا تبدو الشرفات كأنها تسقط؟ أسمع صوت صراخ من بعيد؟ أحدهم ينادي عليّ. ما بالُ الواقع تحوّل إلى كابوس؟ مُجدّداً، صوتٌ ينادي عليّ من بعيد. تسقط السيجارة من يدي، فتحترق الأرضية ثم تشتعل نارٌ كبيرة في الشرفة.

كلّ شيء يحترق الآن، أفقد وعيي من نقص الأكسجين، نور في آخر النفق، صوت من بعيد ما زال ينادي عليّ، النور يقترب. أصحو، فأجد نفسي مُلقًى على الأرض والدماء تسيل. صديقي بجانبي ينادي عليّ. لم تخرج المدينة مني ولم أخرج منها، ما زلت في الجحيم، كان حُلماً! ماذا هناك؟ يجيب صديقي: لقد وقعت من على كرسيّك وشُجّ رأسك من حافة المكتب. ما زلتُ في غزة، ما زلتُ في الجحيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى