بأقلامكمشعرعناوين ريسيةموسيقى

كارول سماحة ومحمود درويش.. لم تنتهِ الحرب!

يوسف الشايب

لم تخمد عاصفة أغنية “ستنتهي الحرب” التي ظهرت كأولى أغنيات “الألبوم الذهبي” للمغنية اللبنانية كارول سماحة من أصل اثنتَي عشرة أغنيةً صدرت كلها لاحقاً، حتى ظهرت عواصف جديدة بعد أن كانت الأغنية الترويجية ليست إلا محض كلمات

من “السوشال ميديا” نُسبت كما كامل كلمات الألبوم للشاعر الكبير محمود درويش، إلا من عبارة واحدة تم تحريفها، وفق ما

جاء في بيان كانت نشرته في الثاني من آذار الجاري مؤسسة محمود درويش، باعتبارها صاحبة الحقوق الحصرية على إرثه الإبداعي.

في ذلك البيان أشارت المؤسسة، ومقرها مدينة رام الله، إلى أنه “وبعد الفحص” اتضح أن كلمات أغنية “ستنتهي الحرب”

لكارول سماحة والمنسوبة لمحمود درويش، “ليست من أشعاره، إنما من إنتاج مواقع التواصل الاجتماعي، وهي دون

المستوى المعروف به شاعرنا الكبير”، وأن “هناك مقطعاً من قصيدة محمود درويش (وعاد في كفن) قد جرى تحريفه واستخدامه في الأغنية”، فالنص الأصلي للمقطع هو “يحكون في بلادنا.. يحكون في شجن”.

وطالبت مؤسسة محمود درويش الفنانة كارول سماحة وشركاءها في الإنتاج وقف نشر الفيديو والإعلان المرافق له، وحذف

كل ما يتعلق بنسب كلمات الأغنية لدرويش، وأنه في حال تم ذلك، يجب على المنتج والفنانة التوجه للمؤسسة بطلب الإذن لأداء ما ترغب في غنائه من قصائده.

لكن الفنانة اللبنانية لم تقم بالحذف، واكتفت بنشر بيان ممهور بتوقيع وكيلها المحامي جان قيقانو، في الثالث من آذار، تحت

عنوان “رداً على ما أُثير مؤخراً حول كاتب أغنية (ستنتهي الحرب)، جاء فيه: إن كلمات أغنية “ستنتهي الحرب” نُسبت في أكثر من مصدر ومرجع إلى الشاعر محمود درويش، كما هو ثابت على المواقع الإلكترونية العديدة، ومنذ زمن بعيد، من غير أن

يعترض عليها أحد. إلا أنه وبعد نشر الأغنية وعرضها من قبل الموكّلة انبرى مَن شكَّك بصحتها، وتحديداً من مؤسسة محمود

درويش، الأمر الذي دفعنا إلى البحث والتدقيق والتعمّق والمراجعة، ليتبيّن أن كلمات الأغنية هي من التراث والملك العام، وعليه فإن المُغنية ستعمد لاحقاً إلى تصويب الأمر منعاً لأي التباس أو استغلال.

خلط ما بين البياتي ودرويش:

وعند البحث نجد أن هذا الالتباس لم يقتصر فقط على أغنية “ستنتهي الحرب”، ففي أغنية “يا إلهي” هناك مزج بين

قصيدتين، واحدة للشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي والثانية لدرويش، بحيث نَسَبتها المغنية كما جهة الإنتاج إلى درويش كحال كلمات الألبوم كله.

وربّما يكون مردّ هذا الالتباس، الناجم بلا شك عن حالة من عدم البحث والتدقيق والتعمّق والمراجعة، هو عدم ملاحظة أن

الأغنية التي قدّمها الفنان البحريني خالد الشيخ في العام 1985، احتوت على موّال أشار الشيخ بوضوح إلى أنه للبياتي،

بينما كلمات الأغنية لدرويش من قصيدته “غريب من مدينة بعيدة” وتبدأ بـ”عندما كنتُ صغيراً وجميلاً، كانت الوردة داري،

والينابيع بحاري.. صارت الوردة جرحاً والينابيع ظمأ.. هل تغيّرت كثيراً؟.. ما تغيّرت كثيراً”، فنسبتها كارول سماحة ورفاقها كلها إلى درويش، كما غيّرت “والينابيع ظمأ” إلى “الينابيع ظمأى”، والفارق كبير في المعنى.

هذا بعيداً عن المقارنة على مستوى اللحن والتوزيع والغناء، والذي برأيي يصبّ بلا مقارنة لصالح الشيخ، الذي له تجربة غنيّة

مع قصائد درويش، وغناها جميعها قبل رحيل “لاعب النرد”، وخاصة في النصف الثاني من ثمانينيّات وفي تسعينيّات القرن

الماضي، واستعاد هذه الأغنية تحديداً، مشيراً إلى موّال البياتي وشعر درويش في الأغنية بحفل في الكويت العام 2020، قبيل الـ”كورونا” وتداعياته.

و”إلهي أعدني إلى وطني عندليبَ على جنح غيمة” مثبتة للبياتي وأجريت حولها دراسات بعضها معمقة،وهي إحدى قصائد

مجموعة “أشعار في المنفى” للبياتي الصادرة في القاهرة العام 1957، بينما قصيدة “غريب من مدينة بعيدة” هي من

مجموعة درويش “العصافير تموت في الجليل” الصادرة في بيروت العام 1969، وأطلق خالد الشيخ على الأغنية التي دمج

فيها، مع التوضيح، ما بين القصيدتين، اسم “عندما كنت صغيراً”، وهي التي نسبتها كارول سماحة كلها إلى درويش في “ألبومها الذهبي” الصادر قبل أيام.

جدير بالذكر أن ذات التباس كارول سماحة كانت قد وقعت فيه، ودون تدقيق وتحقق، المطربة الأردنية مكادي نحاس، قبل قرابة عشر سنوات، حين غنّت “في مدينة بعيدة” بحيث نسبت ما للبياتي وما لدرويش كلّه للثاني.

“بيروت” و”الهيلا هيلا”:

وفي تقديمها لرائعة درويش “بيروت”، كانت “الهيلا هيلا” كنقطة انطلاقة وفاصلاً ما بين المواقع عشوائية الترتيب غير موفقة

في نسخة الأغنية بصوت كارول سماحة، علاوة على اللحن والتوزيع اللذين برأيي لم يرقيا لمستوى الكلمات، على عكس تلك

النسخة التي قدمها المطرب اللبناني مارسيل خليفة بعنوان “بيروت نجمتنا”، أو كما قدمها بطريقة مميّزة أيضاً المطرب السوري سميح شقير لاحقاً بعنوان “بيروت خيمتنا”.

الخلط بين الوطن والشعب النازف:

وفي تقديمها لقصيدة درويش الشهيرة “عابرون في كلام عابر”، تحت عنوان “أيها المارون”، وبعيداً عن الموسيقى لحناً وتوزيعاً

وطريقة الغناء التي تحتاج مختصين، وإن كنتُ أرى أن المطربة السورية أصالة قدمتها بشكل أكثر بهاءً قبل قرابة ثمانية أعوام،

فثمة خلط كبير في فهم النص أدى إلى تقطيع القصيدة غيّر في المعنى وجعل فيما قدمته خطأ لغوياً فادحاً لا يمكن أن يقع درويش فيه.

في القصيدة الأصل يقول درويش “ولنا ما ليس فيكم: وطن ينزف شعباً”، وهنا “الوطن ينزف شعباً”، وبالتالي جاءت “الشعب”

منصوبة لكونها مفعولاً به، في حين قطّعت كارول النص بطريقة مغايرة حين غنّت “ولنا ما ليس فيكم.. وطن ينزف.. شعباً

ينزف”، أي أنها حوّلت الجملة إلى اثنتين، وهنا غيّرت المعنى من جهة، ومن جهة أخرى في حال هذا التقطيع الاجتهادي الغريب، فإن “شعباً” يجب أن تستحيل “شعبٌ”.

فنيّات دون المستوى:

واللافت أن ألحان الفلسطيني تيسير حدّاد لم تلامس، برأيي، روعة كلمات درويش، فحاول تقديم ما خاله تجديداً، لكنه لم

ينجح في جلّ الأغنيات، ومن بينها “سأصير يوماً” التي سبق ولحّنها للمغنية الفلسطينية نادين الخطيب وقدّمتها في عديد الحفلات، في حين أن تصوير بعض الأغنيات بطريقة الفيديو كليب كانت في مجملها بعيدةً عن جوّ النصوص الدرويشية، فإما أن

تكون كارول سماحة ظهرت في زيّ المحاربة الإسبارطية، أو في ذلك الثوب الليلكي الذي لا يبدو متناسقاً مع “جدارية”

درويش، على سبيل المثال لا الحصر، أو الأسود المفتوح إلى أعلاه، ما بين كثبان الصحراء كما في أغنية “طيور النيل” من قصيدة “في مصر”.

وفي هذه الأغنية عادت كارول إلى التقطيع المغلوط، حيث يقول درويش “كنتُ هناك. كان الكائن البشري يبتكر الإلهَ/ الشمسَ”، وليس كما غنّت “يبتكر الإله الإله.. إله الشمس إله الشمس”، وهنا اختلف حتى التشكيل، فالشمس في هذه

الحالة مجرورة لا منصوبة كما في النص الدرويشي، والأمثلة كثيرة فيما يتعلق بخطأ التقطيع وبالتالي التشكيل على مستوى

اللفظ والتغيير في معاني النصوص الأصلي، وإن كانت كارول اختارت لها السكون كما في الكثير من الحالات في كامل أغنيات

الألبوم، كتحايل على التشكيل عند التباسه، الذي برأيي، نابع من غياب واضح وربما فاضح لفهم جليّ للنصوص الدرويشية واللادرويشية المنسوبة إليه والمُنتقاة لتكوّن “الألبوم الذهبي”.

 

لم تنتهِ الحربُ:

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تواصَل الجدل بخصوص “الألبوم الذهبي” لكارول سماحة، ففي وقت انتقد فيه عديد الكتاب

والأكاديميين العرب نسبَ أغنية “ستنتهي الحرب” إلى درويش، كتب الشاعر الفلسطيني زكريا محمد على صفحته في

“فيسبوك”: نيراننا تتجه الآن نحو: بن غفير، وسموتريتش، وكارول سماحة. وذلك بفضل من الله تعالى. شيء لا يصدق أن نُشغل أنفسنا بسطر لمحمود درويش حرّفته كارول. ألو يا أمم، ألو، كما صاح مرة توفيق الدقن.

وكان قبلها انتقد إدارة مؤسسة محمود درويش للأمر، كاتباً: لا يجوز لإدارة مؤسسة محمود درويش التعامل كما لو أنها (دار

نشر)، تشتبك كل يوم مع الذين تعتقد أنهم يسرقون منشوراتها. وإذا استمر الحال كذلك، فسوف تشتبك هذه المؤسسة مع

كتلة كبيرة من الناس حول (حقوق النشر).. مؤسسة محمود درويش مؤسسة ثقافية عامة وُجدت من أجل تطوير الثقافة الفلسطينية وتعميقها، وآخر همها حقوق النشر. لكن هناك من ينحدر بها إلى مستوى دار نشر ليس إلا.

مواقف أدباء فلسطينيين من القضية:

وأيّده في موقفه الروائي الفلسطيني أحمد حرب، في تعليق على المنشور أعلاه، فكتب: لم تكن المؤسسة موفقة أو مُحقّة

بشأن الموقف من أغنية كارول سماحة، ولا أقبل “التقديس” لأي شخص مهما بلغت رمزيتُه وأهميته، وبحسب معرفتي بالشاعر محمود درويش هو أيضاً يرفض “التقديس”، ولو كان على قيد الحياة لأشاد بأغنية كارول سماحة.

أما د. إبراهيم أبو هشهش، الناقد والمترجم والأكاديمي الفلسطيني، فعلّق على منشور ثالث لزكريا محمد حول ذات

الموضوع، كاتباً: درويش غير مقدس وليس هناك شاعر مقدس، ولكن النحل أو الانتحال مسألة مختلفة أثارت دائماً محاولات

للتصدي لها منذ ألف سنة، سواء في الحديث أو في الشعر، والثقافات الأخرى لا تختلف عنّا في هذا الأمر؛ فأهم عوامل نشوء

الفيلولوجيا الألمانية خصوصاً والأوروبية عموماً كان للتحقق من صحة النصوص الكلاسيكية.. والآن يزداد هذا الأمر إلحاحاً بسبب وسائط التواصل الاجتماعي التي جعلت الحابل يختلط بالنابل.

وكان مهماً ما كتبه القاص والصحافي الفلسطيني زياد بركات، وأختم بشيء ممّا جاء في منشوره: في حالة كارول سماحة

الوضع مختلف، فالشاعر رحل عن دنيانا، والقصيدة المشار إليها ليست له أصلاً بل نُسبت إليه.. طبعاً درويش ليس بقرة

مقدّسة في كل الأحوال لكنه ليس قطاً أجربَ ليرميه الصبيةُ بالحجارة ما شاء لهم الهوى، وفي ظروف أخرى فقد كان على

المطربة الحصول على موافقة ورَثَتهِ أو من هم في حكمهم على حقوق غناء قصائده، وأستغرب أنّ من يتجادلون ينسون هذه البديهية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى