موسوعة الرواية الفلسطينية
عمر جمعة
على مدى مئة عام من تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، وزخم الأعمال الأدبية التي تناولت هذا الصراع، تقصّى الكثير من الكتّاب والنقاد ومؤرّخي الأدب الرواية الفلسطينية، وبحثوا في تطورها ومراحلها وموضوعاتها وأعلامها، ونذكر ها هنا على سبيل المثال لا الحصر كتاب (تطور الرواية العربية في فلسطين 2012-1948) للدكتورة جهينة الخطيب الصادر قبل سنوات عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، ويستعرض الاتجاهات الفنية المختلفة للتجربة الروائية الفلسطينية في الداخل وتقنياتها ومضامينها المتنوعة، وكتاب (الرواية الفلسطينية من سنة 1948 حتى الحاضر) للكاتب والباحث بشير أبو منة الصادر باللغة الانكليزية عام 2016، وسعى فيه أبو منة إلى رسم خريطة تطور الرواية الفلسطينية في المنفى وتحت الاحتلال، من سنة 1948 حتى أوسلو، غير أن (موسوعة الرواية الفلسطينية) للباحث والأديب الدكتور يوسف حطّيني الصادرة حديثاً في دمشق، تتجاوز بكثير من الدقة والجرأة ما ذهب إليه الآخرون، ليس انتقاصاً من جهدهم بالتأكيد، بل استكمالاً وتكاملاً مع ما قدموه للمكتبة العربية أولاً والعالمية تالياً.
وعلى الرغم من أن هذه “الموسوعة” للدكتور حطّيني، بمحتواها الغني ومراجعها ومصادرها المتعدّدة، تناولتْ في أربعةَ عشر فصلاً الظّواهرَ الموضوعيّةَ والفنيّةَ البارزة في الرّواية الفلسطينيّة، فإن ما يثير الانتباه أن كلّ فصل من هذه الفصول انطوى على قراءات واستنتاجات تحضّ القارئ على الاستزادة والبحث في الظاهرة التي يضعها حطيني في محرق التحليل والتأريخ والنقد، وكأنه يريد بهذا المنجز فتح الأبواب أكثر لاستقصاء بدايات وتحولات ومآلات الرّواية الفلسطينيّة؛ ودراسة بناها الفنيّة وتجارب الأعلام الذين أبدعوا أو اقتربوا من الحدث الفلسطينيّ وأسئلته المتناسلة المختلفة حتى اليوم.
ولئن توقف د. حطيني في كتابه السابق “مكونات السرد في الرواية الفلسطينية” الصادر عن اتحاد الكتّاب العرب في سورية عام 1999، حول المنجز الروائي الفلسطيني عند عام 1997 فإنه في هذه الموسوعة يتابع مساره ومسرده ليصل حتى نهاية العام 2022، ويؤسّس لقراءة جديدة للمنجز الروائي الفلسطيني الممتد على مساحة أكثر من مئة عام، أحصى فيه أكثر من ألفي عمل روائي، وحلّل نحو 200 رواية صادرة في الأرض المحتلة أو الشتات.
وكان د. حطيني أصدر العام الماضي أيضاً “موسوعة الشعر الفلسطيني” كأضخم مشروع توثيقي تناول أكثر من 3658 ديواناً شعرياً لشعراء فلسطينيين من تيارات وتجارب وأعمار مختلفة.
باختصار يمكن القول إن “موسوعة الرواية الفلسطينية” للدكتور يوسف حطّيني جهد بحثي تعجز عنه مؤسّسات ومراكز دراسات كبرى، وتكتسبُ أهميتها من أنها تقترب بشكل عميق وكبير من سردية الرواية الأكثر تعقيداً في التاريخ الحديث، ونعني حكايات اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، خدمةً للرواية الصهيونية العنصرية التي يهلّل لها اليوم بعض المنسوبين زوراً إلى الثقافة أو الإنسانية، وهم منبّتو الصلة بالثقافة أو حتى بالإنسانية.