ولا بد لليل أن ينجلي..
*عمر جمعة
ما إن تعود قضية المعتقلين والأسرى الفلسطينيين في الزنازين الصهيونية إلى واجهة الإعلام، في إضراب هنا أو جريمة تُرتكب بحقهم هناك، حتى نرى هبّات وأفواج المتضامنين ومجموعات المعتصمين بل وملايين الشاجبين المستنكرين للإجراءات التعسفية التي يمارسها العدو ضدهم، وكأن قضية الأسرى قضية موسمية تتعلّق فقط بالأحداث الطارئة أو المستجدات السياسية وتصاعد المواجهات مع الصهاينة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وسواها من المدن الفلسطينية!.
ولئن كانت هذه الخطوات الإجرائية الآنية والعاجلة مطلوبة وضرورية ومهمّة، فإن الأهم في اعتقادنا أن تتحوّل قضية هؤلاء المعتقلين والأسرى إلى قضية رأي عام وهاجس يومي، نجنّد لها ما استطعنا من إمكانات فردية وجماعية في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وبين أبناء شعبنا في مخيماتهم وتجمعاتهم داخل الوطن المحتل وخارجه، لتسليط الضوء عليها، وبيان معاناة هؤلاء الأبطال الصامدين، وهم يتحدون كل أشكال التعسف والقهر والاستخفاف بحقوقهم وإنسانيتهم، وممارسة أبشع الجرائم بحقهم، كالحجز الانفرادي والقمع والتعذيب والإهمال الطبي المتعمّد، وصولاً إلى البحث في تطوير وابتكار أساليب مقاومة جديدة لا تخضع للضغوطات أو الظروف الدولية والإقليمية الراهنة، بهدف تحريرهم وإجراء صفقات تبادل يتمّ بموجبها إطلاق سراحهم جميعاً، ولاسيما أن العالم كلّه الذي يقف متضامناً فقط في السابع عشر من نيسان/ أبريل من كل عام بمناسبة يوم الأسير، يدرك أن عدد الأسرى الذين يقبعون حالياً في سجون الاحتلال الصهيوني وصل إلى أكثر من 6500 أسير، بينهم 57 امرأة و300 طفل، وهم يكابدون ويتصدون للحرب الصهيونية ضدهم بغية إسكات أصواتهم المطالبة بالحرية.
ندرك أن المناضلين الأبطال مثل كريم يونس وماهر يونس، ونائل البرغوثي الذي قضى أطول فترة اعتقال في سجون الاحتلال، إضافة إلى مروان البرغوثي وأحمد سعدات وسواهم من القادة، هم رموز نقدّرها ونقف بإجلال كبير أمام ما قدموه من تضحيات جسيمة، ودفعوا أثماناً باهظة لأجل قضيتهم، لكن ينبغي أيضاً أن نتذكر دائماً ولا ننسى آلاف الأسرى المغيبين في ظلمات وغياهب الزنازين الصهيونية، والذين يسطّرون بدمائهم وصبرهم ملاحم بطولية موازية، ونعمل على تظهير معاناتهم أيضاً وإثارة قضيتهم بالاسم لا بالعدد، فضلاً عن جعل هذه القضية ثقافة يومية لأبنائنا، بل ورفع صمود هؤلاء المظلومين وصبرهم إلى مقام تضحيات الشهداء، إذ لولاهم جميعاً، شهداء وجرحى وأسرى ومعتقلين، لما كانت فلسطين تتصدّر المشهد الإعلامي والسياسي على الدوام.
الوفاء للأسرى لا يكون بيوم يستذكر معاناتهم، ولا بهبّة مستنكرة هنا وحملات تضامنية هناك، بل بأن يكونوا دائماً وأبداً خفق الروح ونبض الفؤاد، والمسعى لرسم طريق عودتهم والإفراج عنهم بأيدينا، مهما طال الليل الذي لا بد أن ينجلي.